12/9/08

القيروان ودرها في استقرار الفتح

    يعد تفكير عقبة في بناء مدينة القيروان دليل عل تفكير سياسي حكيم اذ ان وضع حجر الأساس لبناء مدينة إسلامية في وسط ولاية افريقية   هو مؤشر تحول الولاية ال بلد اسلامي .

   وقد استغرقت نية عقبة لبناء مدينة القيروان عل أساس ما كان يتمتع به من خبرة ببلاد المغرب وأهلها فقد كان ير انه لا مجال لانتشار الدين الإسلامي ببلاد المغرب  وإقبال الناس عليه إلا من خلال استقرار المسلمين بهذه الديار ويتجل ذلك من خلال خطبته الشهيرة أمام جيوشه قبل بناء مدينة القيروان والتي جاء فيها :

"" إن إفريقيا إذا دخلها إمام أجابوه إلى الإسلام ، فإذا خرج منها رجع من كان أجاب منهم لدين الله إلى الكفر ، فار لكم يا معشر المسلمين إن تتخذوا بها مدينة تكون عزا للإسلام ال آخر الدهر ""

وقد اختار لبناء مدينته موقعا حصنا حتى لا تطأها أقدام الروم البيزنطيين من البحر لما قال : "" إني أخاف أن يطرقها صاحب القسنطينية بغتة  فيهلكها ولكن  اجعلوا بينها وبين البحر ما لا يدركها صاحب البحر .""

  لقد كان عقبة بعيد النظر سديد الرأي بحيث فضل أن تكون قاعدة المسلمين في افريقية مدينة برية لأنه كما جاء في كلامه يخشى أن يطرقها الروم بأساطيلهم فجأة فتتعرض للغزو بسهولة بينما يتسنى للمسلمين التأهب لرد الغزو لو كانت قاعدتهم داخلية ويبدو أن عقبة صاحب الخبرة والدراية بشؤون الحرب قد استفاد مما تعرضت له الإسكندرية سنة 25 هـ من مصائب وويلات حين هاجمها البيزنطيون بحرا كما لم ينسى عقبة الجهاد الكبير الذي بذله عمرو بن العاص من اجل استردادها من ابدي البيزنطيين الغزاة .

ويرى حسين مؤنس أن فكرة بناء عقبة لمدينة إسلامية بإفريقيا هي حلم طالما رواده من قبل ولكنه وقد أصبح واليا على افريقية كان لابد له من عاصمة فاختط القيروان وانشأ مسجدها الجامع فيما بين سنتي 50- 55 هـ ويعد إنشاء المسجد الجامع بمدينة عقبة حد فاصل في تاريخ المغرب إذ عد مؤشرا لدخول الناحية كلها  في دار الإسلام والعروبة .

 وقد عرف مؤرخو المغرب كيف يحيطون بالأساطير والحكايات التي تدور كلها حول كرامات عقبة في إخراج الوحوش والحيات من الموضع الذي اختير ليكون قيروان الفاتح عقبة كما أنشا الناس أساطير أخرى تدور حول الاهتداء إلى اتجاه القبلة بالهام من السماء وقد انهمرت جموع البربر من نواحي افريقية إلى القيروان وسكنوا حولها وكان بعضهم وقد شاهد عقبة وهو يختار مكان البلد كما رأوه يبحث عن القبلة حتى اهتدى إليها بالهام رباني فكان لذالك وقع كبير في نفوسهم فكثر دخول الناس في الإسلام  وتكونت بذلك جماعة إسلامية امازيغية تعايشت جنبا إلى جنب مع الوافدين المسلمين العرب وأخذت تتعلم العربية وتستعرب وبذلك شهدت الفترة 50 و 55 هـ أولى خطوات قيام المغرب الإسلامي .

   لم يكد عقبة ينتهي من بناء مدينة القيروان سنة 55 هـ حتى عزل عن ولاية افريقية بأمر من مسلمة بن مخلد الأنصاري الذي عاد إلى ولاية مصر والذي أضاف له معاوية بن أبي سفيان فتوح بلاد المغرب فكان ان اقدم هذا الأخير على عزل عقبة وتعيين أبا المهاجر دينار  مكانه مكافئة له عن موقفه ودوره الفعال في مؤازرة بني أمية في مواجهة الإمام علي وأتباعه . ( آل البيت )

    وقيل أن أبا المهاجر قد أساء عزل عقبة وتولى مكانه بل حبسه وكبله بالأغلال ولم يطلق سراحه إلا بتدخل مسلمة والخليفة ذاته وقد تحدثت المصادر أن عقبة اشتكى أمر إلى الخليفة معاوية فكان أن هدا هذا الأخير من روعه واعدا إياه بالأمارة من جديد قائلا : "" أنت تعلم مكانة مسلمة بن مخلد من الإمام المظلوم ونحن لانريد أن نرد له طلبا فاصبر علينا حتى يموت .""

  على عكس ما ذهب إليه بعض المؤرخين ومنهم الأستاذ عبد الرحمان الجيلالي من أن أبا المهاجر قد قام بتخريب مدينة القيروان بانيا محلها مدينة جديدة هي مدينة تيكروان  فان الدكتور مؤنس يرى أن أبا  المهاجر لم يقم بذالك وإنما تزل بقرية قرب مدينة القيروان

 ذكرور أو تيركوان البربرية جاعلا منها  عاصمة  له  وكانت قد شهدت  إقبالا من عرب  وبربر  للعيش في أكفانها وقد ذهبت بعض المصادر إلى أبا المهاجر هو أول فاتح عربي مسلم وطأت قدماه ارض الجزائر ( المغرب الوسط ) حيث فتح ميلة وبنى بها مسجد له كما اتجه غربا إلى تلمسان * غازيا منازل قبيلة أوربة التي تصالح مع زعيمها متخذا إياه صاحبا وحليفا بل ويرجع الفضل إلى أبي المهاجر في إسلام كسيلة ومن معه من البربر وبوفاة معاوية سنة 60 هـ  679 م وتوليه ابنه اليزيد للخلافة تحقق حلم عقبة من جديد بالرجوع إلى شمال إفريقية وذلك سنة 62 هـ التي قيل إنها السنة التي توفي فيها أيضا والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري . وقيل ان تولية عقبة  كانت في سنة 61 هـ وقبل وفاة مسلمة الذي اعتذر لعقبة عن عزله له .

ففي سنة 62 هـ الموافق لسنة 681 م أوفى اليزيد بن معاوية بوعد أبيه لما عين من جديد عقبة على راس ولاية شمال افريقية .

وقد ذهب نفر من المؤرخين المحدثين إلى أن وصول عقبة إلى المحيط الأطلسي لا يعد ان يكون أسطورة وان أقصى ما يمكن إن يكون عقبة قد  وصل إليه هو منطقة وهران ومصب وادي الشلف *إلا أن نصا جديدا نسب إلى صالح بن عبد الحليم احد مؤرخي بلاد المغرب والذي كناه ابن عذاري بالشيخ الصالح قد ذهب إلى أن عقبة قد وصل فعلا إلى المحيط في مؤلفه ( روض القرطاس ) .

 اعد عقبة العدة لحملته وقد جهز لها ما قوامه عشرة آلاف  فارس بمعية 25 صحابي حسب رأي ابن عذاري المراكشي ، وكان قد قرر ان يترك بالقيروان 6 آلاف فارس على رأسهم القائدان عمر بن على القريشي وزهيري قيس البلوي وكان على تلك القوة التي بقيت في القيروان إن تدافع عن المدينة وان تحمي  ما بها من أنفس  وأموال . وقبل خروجه من القيروان جمع عقبة الناس كما احضر  أولاده فيهم مبينا لهم هدف الحملة مبديا عزمه على مواصلة الفتح وطلب الشهادة قائلا : "" إني بعت نفسي من الله وما ادري ما ياتي علي في سفري ""

  ثم قال :"" عليكم سلام الله واراكم لا تروني بعد يومكم هذا ..... اللهم  تقبل نفسي في رضاك  واجعل الجهاد رحمتي ودار كرامتي عندك ""

   كما أوصى أولاده وصية يذكر المالكي انها شملت على ثلاث خصال هي النهي على الاهتمام بالشعر على حساب حفظ القرآن وترك الاستدانة  ثم الزهد في اخذ العلم عن المغرورين .

  وودع عقبة أولاده وأهل القيروان وداعا مؤثرا قيل عن بعض الرواة هو انه إحياء بكرامات عقبة وانه قد أيقن انه مستشهدا أو سينال الشهادة في حملته هذه لما قال لهم "" أراكم لا تروني بعد يومكم  هذا "".

وقد اتخذ عقبة الطريق الصحراوي الذي يخترق المغرب الأوسط في اتجاه تاهرت والسوس الأدنى وسوس طنجة وقد اختلف الرواة حول مراحل تلك الغزوة فابن عبد الحكم والبلاذري يريان أن عقبة قد  اتجه إلى بلاد السوس أما الروايات المفضلة التي رواها المالكي وابن عذاري فأنها ليست منسجمة الترتيب .

فرواية  المالكي واضحة الاضطراب لانهاتقدم فتح تلمسان على فتح الزاب وتسبق فتح الزاب على فتح " تاهرت " وأما ابن عذاري فيجمع عددا من التفصيلات المفيدة ولكن يؤخذ عليه الحشو الذي يثير اضطراب الرواية في بعض الأحيان .

 فهو يتحدث عن حصار بغاية  ثم يعود فيتكلم عن غزو قرطاجنة ثم عن غزو المنستير قرب سوسة مرتين وعليه فان رواية ابن الأثير ينقلها عن الرقيق هي أكثر الرواياة اتزانا ووضوحا وتسلسلا منطقيا .

 اتجه عقبة نحو مدينة "" بغاية "" وكان بالمنطقة حامة رومية كبيرة خرجت بمواجهة جيش المسلمين ووقعت معركة حامية الوطيس انتهت بانكسار الروم  الذين انهزموا داخل أصوار المدينة بعد أن تركوا العديد القتلى والكثير من المغانم وبعد أن ضرب عقبة عليهم الحصار تراجع عنه حتى لا ينهك قواه مكتفيا بما كسبه .

------------------------------------------------------------

* بتلمسان حفر أبو المهاجر آبارا  سميت باسمه كما عرف عنه انه اشتهر بتقريب البربر واجتذابهم للإسلام .

* وهو رأي المؤرخ روبرت برونشقيج وابن  عبد الحكم و البلاذري  أما ابن عبد الحكم  وابن عذاري وسار على رأيهم بروقسال

من المغانم وخاصة من خيل جبل اللاوراس التي لم ير المسلمون في مغازيهم أصلب منها، ومن باغاية دخل عقبة بلد الزاب الفسيحة قاصدا عاصمتها المسيلة، وبعد معارك طاحنة دانت بلاد الزاب للمسلمين .

    وعندما وصل عقبة الى منطقة تاهرت وجد نفسه أمام تحالف كبير من الروم والبربر لم يسبق للعرب الممسلمين أن وجدوا له مثيلا وقد أعد عقبة العدة لخوض المعركة فعبأ رجاله وخطب فيهم  خطبة مؤثرة  حضهم فيا على الجهاد والثبات وحسن القتال جاء  فيها (( أيها الناس إن أشرافكم وخياركم  الذين رضى الله عنهم وأنزل فيهم كتابه بايعوا رسول الله بيعة الرضوان  على من كفر بالله الى يوم القيامة  وهم أشرافكم والسابقون  منكم الى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة  وانتم اليوم بدار غربة وانما بايعتم رب العالمين وقد نظر اليكم في مكانكم هذا ، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلبا لرضاه  واعزازا لدينه فأبشروا، فكلما كثر العدو كان أخزى لهم  وأذل لهم ان شاء الله ،  وربكم عز وجل لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة فان الله  جعلكم بأسه الذي لا يرد على القوم المجرمين  فقاتلوا عدوكم على بركة الله وعونه )) وقد لقى المسلمون كثيرا من العناء  والجهد في هذه المعركة الكبيرة لكثرة اعداد  العدو غير ان النزال قد انتهى بانهزام الروم والبربر معا بعد ان قتل العرب اعدادا كثيرة منهم وغنموا اموالهم وسلاحهم .

     ترك عقبة الروم يعتصمون بالحصون والقلاع لا يبرحونهاواوغل في الغرب الى ان نزل

على طنجة التي يعرف صاحبها باسم (( يليان )) الذي يعتقد امنه امير رومي ، لا قوطيا او بربريا وقد سارع يليان الىالارتباط  بعلاقات الود والصداقة مع المسلمين حيث امد عقبة بهداياه بل وبمعارفه وخبراته حتى اضحى بمثابة المستشار السياسي والعسكري لابن نافع ، تقدم عقبة نحو السوس الاردن وهي البلاد المعروفةبـ (( تامسنا)) حيث قبائل (( مصمودة)) فأخضعها الى حكمه بعد قتال شديد ثم اتجه نحو مدينة (( وليلي)) القديمة قرب الموقع الذي بنيت فيه مدينة (( فاس)) فيما بعد فانهزمت على يديه جموع البربر قي الاطلس الاوسط ، وقد اجتهد عقبة ايما اجتهاد في نشر رسالة الاسلام في ربوع  تلك الديار فبنى مسجدا قي (( درعة )) ، ثم اتجه نحو الشمال الغربي الى منطقة (( تافللت)) التي بنيت بها مدينة ((  سجلماسة )) وقد اتت اليه قبائل(( صنهاجة )) دون قتال ثم سار عقبة نحو جهات قبائل (( هسكورة )) حيث مدينة(( أغمات )) التي بنيت بالقرب منها فيما بعد مدينة(( مراكش ))الحالية التي يقول البكري ان عقبة حاصر بها الروم ونصارى البربر فاخضعها ايضا وبنى بها مسجدا ، وبدخول عقبة مدينة نفيس الحصينة انفتح امامه واد السوس الاقصى وعاصمة مدينة (( ايجلي )) التي بنى بها مسجدا بعد ان اجابته بالدخول في الاسلام قبائل (( جزولة )) القاطنة بتلك الديار ومن ((ايجلي ))  اتجه عقبة نحو مدينة (( ماسة)) ومنها الى راس (( ايغران ))  على البحر  المحيط التي اعتقد عقبة انه منها انتهى من فتح المغرب لما دخل بفرسه ماء البحر رافعا هامته الى السماء قائلا (( اللهم رب محمد لو اني اعلم وراء هذا البحر يابسة لاقتحمت  هذا الهول الماتج لأنشر الاسلام اسم مجدك العظيم في اقصى حدود الدنيا )) .

     وهكذا فقد اتخذ عقبة بعد هذا المشوار الطويل من الجهاد المضني  على الرغم من بلوغه الكبر عتيا طريقه نحو العودة وهو يعمل على نشر الاسلام في  كل أرض مر عليها فعرج على  القبائل (( حاحة ورجراجة)) ثم اتجه الى(( وادي تنسيفت)) في منتصف المسافة بين مدينة (( مراكش )) و (( موجادور)) حيث ترك احدا من اصحابه ويدعى(( شاكر)) لتعليم البربر (( سيدي شاكر )) وعندما دخل بن نافع بلاد (( دكالة)) داعيا اهلها الدخول في الاسلام امتنعوا عليه بل وانهم دبروا للغدر به غير ان عقبة رضى الله عنه قاتلهم قتالا شديدا حتى هزمهم ولكن بعد ان تكبدت جيوشه خسائر جمة حتى ان موقع المعركة قد سمي بمقبرة الشهداء* .

----------------------------------------

    * يرى بروفنسال ان مقبرة الشهداء هي هكسورة لا دكالة على عكس ابن عذاري الذي يعتقد أن اهل هكسورة قد فروا امام جيوش عقبة وانه منها لم يقاتله احد

Source

 

No comments:

Post a Comment

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...